قبيلة شمر تصد العدوان الصفوي على العراق بقيادة
صفوق بن فارس الجربا رحمه الله تعالى.
جمع وإعداد: د. خالد بن صالح بن عبدالرحمن الدعيلج.
الشيخ صفوق بن فارس الجربا :
تولى صفوك بن فارس الجربا مشيخه قبيلة شمر سنة 1818م أو 1819م، وكانت القبيلة قد فقدت مؤقتاً الكثير من وضعها المتفوق السالف في الجزيرة الفراتية. ولكن شمر بقيادة الشيخ الجديد سرعان ما انتهزت فرصة اهتزاز وضع داود باشا[1] ،الذي كان منشغلاً بإعداد العدة لمواجهة هجوم فارسي ( إيراني صفوي ) وشيك ولاسترجاع قوته ونفوذه[2] . والشيخ صفوق بن فارس الجربا أشهر من نار على علم وقد لقبته الحكومة العثمانية بلقب ( سلطان البر ) سنة 1249 هـ / ( 1835 م ) ، وقد خلف الشيخ صفوق ابن عمه بنية بن كرينيس الجربا في مكانته ونال حظوة لدى الحكومة أيام داود باشا الوزير ، و يعد الشيخ صفوق في طليعة شجعان العرب وأكابر قوادهم ولو وجد له تربة صالحة وبيئة مناسبة لظهر أعظم من ذلك بكثير.[3]
المواجهة العسكرية بين قبيلة شمر والقوات الصفوية الفارسية الغازية[4]:
لقد تناوبت العلاقات بين بلاد الفرس وولاية بغداد على مر السنين بين الصداقة المعتدلة والعداء العلني . وفي سنة 1818م سادت حالة حرب بين المنطقتين. وكان لقبيلة شمر مواجهتان مختلفتان مع الفرس ،وذلك على النحو التالي:
المواجهة الأولى :
أرسل الفرس عدة كتائب غازية نحو عاصمة المماليك .التقت إحدى الكتائب بجماعة من شمر يقودها صفوك بن فارس ، فدحر المقاتلون الشمريون هذه القوة الفارسية الكبيرة في سلسلة مواجهات من الكرّ والفرّ . وبالنظر إلى انتصارات شمر والمشاكل التي خلفها وباء الهيضة (الكوليرا)، حسم محمد علي مرزه القائد الفارسي خلافاته مع داود باشا وانسحب من كردستان الغربية، وبالرغم من التسوية التي جرت بين داود باشا ومحمد علي مرزه حول جنوب العراق بقيت القوات العثمانية تواجه جيوش الأمير محمد علي مرزه ولي العهد وحاكم مقاطعة أذربيجان .
المواجهة الثانية :
يعود منشأ هذا القتال الثاني إلى نزاع حول السيطرة على عشيرتين فارسيتين رحالتين لجأتا إلى باشا ارضروم . ولما طلب السلطان مساعدة ولاة ديار بكر والموصل وبغداد ضد الفرس سنة 1822 م ،قام داود باشا بواجبه في إرسال جيش كبير لمساعدته . وتولى الكهيا الجديد الحاج طالب آغا قيادة قوة قوامها 10000 رجل إلى الشمال عوناً للسلطان . وفي نفس الوقت تولى محمد حسين مرزه قيادة 40000 جندي فارسي عبر الحدود وطرد الجيش التركي إلى قزل رباط . وقد شعر القادة الأتراك بأن الكارثة محدّقة فخططوا للانسحاب.
طلب الوالي داوود من الشيخ صفوق التدخل لمواجهة الجيش الفارسي ، وإنقاذ الموقف المتدهور.استجاب الشيخ صفوق لنداء الواجب واتخذ قرارا خطيرا بالتصدي لقوات دولة قوية يمكن أن تدمر قوات قبيلته وتبطش بها بعد أن ضعفت الإمبراطورية العثمانية عن المواجهة.تمكن الشيخ صفوك وأتباعه المقاتلين من شمر من صد القوة الفارسية المهاجمة من قبل بين شهربان والخالص وأوقفتها . وبنتيجة الخطة الذكية المتفوقة استطاع الزعيم الشمري أن يقسم القوات الفارسية ويدحر قوة تفوقه عدداً ، وقامت القبيلة بعد انتصارها بنهب المعسكر الفارسي وانسحبت بالغنائم الوفيرة.
ويصف صاحب المطالع[5] في حوادث سنة 1238 هـ / 1823م عن وقعة العجم وقبيلة شمر التي حدثت سنة 1237 هـ / 1822 م :" أخبرني ثقات عدة أن صفوقاً غزا ابن الشاه وعبر ديالى بفوارس من عشيرته إلى أن كان من عسكر ابن الشاه بمرأى فركب فرسان العسكر لما رأوه وكرّوا عليه فاستطردهم حتى عبروا ديالى وبعدوا عنها فعطف هو ومن معه من قبيلته ومن الروح عليهم فأدبرت فرسان العجم وقفاهم فوارس شمر وقتلوا منهم من أدركوا وأتوا بخيلهم وسلبهم .. وأخبرني غير واحد أن هذه غير الأولى التي ذكرها المؤرخ التركي " .[6]
بلغ نفوذ قبيلة شمر وزعيمها الشاب صفوك بن فارس أوجه بعد دحر الفرس . ولولا زعامة الشيخ صفوك القديرة لاستطاع الغزاة الفرس أن يحققوا تدميراً أكثر في العراق . وقد قدر داود باشا كل التقدير مساعدة شمر في دحر الجيش الفارسي وكافأ صفوك بلقب وزير . ومنح الزعيم الشاب أيضاً حق إدارة مقاطعة عنه على شاطئ الفرات . ولا شك أن هذه المكرمة الأخيرة أعطت إيراداً سنوياً عظيماً من الضرائب . وأن النجاح العسكري والتكريم الحكومي زادا من مكانة صفوك بين رجال قبيلته شمر .وفي سنة 1823م امتد نفوذ شمر من نهر الفرات في الجنوب إلى ماردين في الشمال ومن الموصل ودجلة في الشرق إلى أبعد من نهر الخابور في الغرب [7].
وهكذا استطاع هذا الشيخ الجليل ـ بفضل الله وتوفيقه أولاً ـ ثم بشجاعته وحنكته أن يصد هذا العدوان الفارسي الصفوي الجائر ،والذي كان يهدد بغداد وعموم العراق وبلاد الشام، وينبغي ألا يغيب عنا في هذا المقام التذكير بخطورة الأطماع الفارسية الكبيرة والمستمرة في السيطرة على العراق واستغلال خيراته والنكاية بأهله ، كما أنهم يكنون العداوة والبغضاء للعرب المسلمين (سنة وشيعة ) ،فالعرب هم الذين دمروا إمبراطورية كسرى وهدموا قصره وإيوانه في عاصمة ملكه المدائن والتي كانت تقع في العراق.وتعد هذه الملحمة من الأعمال الجليلة التي هي من مناقب هذه القبيلة وزعمائها،حيث تجلى فيها صدق البذل والتضحية للدفاع عن حياض الأمة و بيضتها.
[1] الوالي العثماني على بغداد في تلك الفترة.
[2] ويليامسون ،جون :قبيلة شمر العربية مكانتها وتأريخها السياسي،ط3، ترجمة مير بصري،لندن:دار الحكمة،2003م،ص68.
[3] عباس العزاوي:عشائر العراق،لندن:مكتبة الصفا،ج1،151-152.
[4] ويليامسون ،جون :قبيلة شمر العربية مكانتها وتأريخها السياسي،ط3، ترجمة مير بصري،لندن:دار الحكمة،2003م،ص ص 68-69.
[5] عثمان بن محمد بن أحمد بن سند البصري،مطالع السعود بأخبار الوالي داود،اختصار أمين الحلواني،ص 322.
[6] عباس العزاوي:عشائر العراق،لندن:مكتبة الصفا،ج1 ،152-152.
[7] ويليامسون ،جون :قبيلة شمر العربية مكانتها وتأريخها السياسي،ط3، ترجمة مير بصري،لندن:دار الحكمة،2003م،ص71.