سالم بن جازي بن سالم بن الزبير الدعيلج الشمري(رحمه الله)
بقلم:مرضي بن سالم بن جازي الشمري.
ولد سالم الجازي (رحمه الله) عام 1345هجري ،وكان ترتيبه الثاني من بين أربع ذكور. قتل والده جازي بن سالم (رحمه الله) في معركة توحيد المنطقة الغربية تحت لواء الملك عبد العزيز آل سعود وبقيادة المرحوم ابن عقيل ، ولم يتجاوز عمر سالم حين وفاة والده الأربع سنوات .عاش مع أمه (رحمها الله) في رعاية خاله فريح بن مفلح بن جعاري السويدي الشمري (رحمه الله) و كان لخاله أبناء صغار و لكنه لم يكن ميسور الحال.ولما بلغ سالم سن الخامسة من عمره رعى غنم خاله ثناءً و رداً لجميل خاله عليه. وحين كبر أبناء خاله ؛اضطر سالم بسبب شظف العيش إلى العمل .لقد تنقل سالم بين أعمال مختلفة بحسب قدرته الجسمية وعمره ،حيث عمل في رعي الغنم مقابل طعامه و كسائه ،و في العام التالي عمل في الرعي وكان الاتفاق أن يعمل مدة سنة مقابل رأس من الضأن.ثم عمل بعد ذلك في رعي الإبل ،كما عمل في حفر الآبار و في بناء منازل الطين ،إضافة إلى عمله في مزارع النخيل.
لم تستمر الأحوال على ما هي عليه فقد قدر الله الوفاة على أمه ليكتب له اليتم من جديد ،وقد اضطر إلى السفر للبحث عن العمل حتى وصل إلى فلسطين ، ثم انتقل إلى الأردن و تقدم إلى للالتحاق بالجيش العربي الأردني فلم يتجاوز الفحص الطبي لصغر سنه ،ولكن وفقه الله عز وجل فعين في عمل مدني في معسكرأحد الكتائب ليقوم بعمل القهوة ،ومن المفارقات أن مرتبه كان أعلى من مرتب الجندي. عاد سالم إلى دياره و عمره سبعة عشر سنة حيث تزوج زوجته الأولى (رحمها الله) والتي أنجبت له سبعة ذكور أكبرهم اسمه (مطلق) .لقد كان سالم وجماعته الدعالجة وبقية البريك يعيشون حياة البدو الرحل ،حيث ينتقلون من منطقة حائل إلى لشونة في الأردن في الشمال الغربي ،و من حائل إلى حدود العراق شمالاً مروراً بصحراء النفود .وبعد مدة من الزمن استقر سالم وأسرته في قرية بطحوين جنوب غرب حائل .أراد الله عز وجل أن تصاب الأسرة بكاملها بمرض كان سبباً في وفاة زوجته (رحمها الله).لقد أصبح سالم هو الأب و الأم لأبنائه حتى بلغ أصغرهم (لافي ) سن الرشد ،و من ثم تزوج زوجة ثانية و أنجب منها ست بنات و ثلاث ذكور . انتقل سالم وأسرته من قرية بطحوين إلى قرية المختلف في عام 1399 هجري ،وقضى فيها ما تبقى من عمره ،حيث توفي (رحمه الله ) في 20/9/1428 هجري، بمستشفى الملك خالد بحائل .
لقدكان (رحمه الله)يتمتع بذاكرة وحافظة قوية جداً،فهو راويٍ يحفظ الكثير من القصص و الشعر ،و اشتهر بمعرفة النجوم والفلك و حساب فصول السنة ،كما انه يقول الشعر و له بعض القصائد ،إلا أنه اشتهر شهرة واسعة بمعرفة الأنساب لقبيلة شمر بصورة تفصيلية، ولأكثر القبائل العربية الأخرى بصورة عامة، حيث كان يقصده كثيرون من أبناء القبيلة والقبائل الأخرى لمعرفة رأيه في قضايا الأنساب، وغالبا ما يكون رأيه فيها الرأي المعتبر الذي يصدر الناس عنه.
وقد عرف رحمه الله بالشجاعة ورباطة الجأش؛ففي عودته من الأردن رافق مجموعة على رأسها مرشد التميمي[1](رحمه الله) ،خلال سيرهم حصل لهم في الطريق حادثة مثيرة،لقد كان أمام القافلة فيضة فما كان من البعارين إلا أن جفلت ( أصابهن ذعر بسبب سماعهم أصواتً غريبة)، و كان الوقت ليلاً ،فانتخى مرشد (رحمه الله ) ظناً منه بأن هناك حنشل ( قطاع طرق ). لقد ترجل مرشد التميمي من ذلوله متجهاً إلى الفيضة و هو يقول ثبت ثبت طالباً من مجموعته البقاء في أماكنهم ثابتين حتى يذهب هو ويرى حقيقة الأمر،لقد كان مرشد من الرجال الشجعان المعروفين بالجرأة والإقدام ،ولذا فليس مستغربا منه أن يفعل ذلك ،إلا الغرابة حصلت حين ذهب سالم الجازي خلف مرشد رغم صغرسنه (لقد كان عمره سبعة عشر سنة فقط).عاد مرشد ومعه سالم إلى رفاقهم وطمأنوهم حيث لم يجدا شيئاً يخشى منه،ولكن المفاجأة حصلت عندما لم يجدوا ذلول مرشد و التي كان عليها كل مايملك من ذهب و نقود ، وهي حصيلة تغربه عن بلاده ما يقارب الأربعين سنة .ضرب مرشد كفا بكف قائلاً وا حلولاه ،لقد ضاع حلالي .لم يقف سالما موقف المتفرج في هذا الموقف العصيب؛بل ذهب انطلق باحثاً عن الذلول في ذلك المكان الموحش ،وفي ذلك الظلام البهيم. ويشاء الله عز وجل أن يجدها و عليها حمولتها فصاح سالم بصوت مرتفع : يا مرشد أبشر لقد عقلها الله ،فرد مرشد قائلاً :أبشر بالبشارة يا سالم [2].
كما كان سالم الجازي رحيم القلب رقيق المشاعر، لقد تأثر سالم كثيرا ًعندما رأى ابن عمه خليف بن سراي بن دغمي ـ المشهور بكرمه ونخوته وقوته ـ في أحد الأيام وهو يحتطب جنوب قرية بطحوين مع ابنه حماد ،و كان شيخاً كبيراً يتوكأ على عصا ،و يحمل على رأسه حزمة كبيرة من الحطب ، كاشفاً عن ساقه حتى تكاد تظهر ركبته ؛ هب سالم لمساعدتهما وأنشد قصيدة طويلة يصف فيه واقعهم،وقسوة البيئة الصحراوية التي يعيشون فيها فقال في مطلعها:
يا خليف بانت نياشينه@عدك على كور هجانه
رحم الله سالم الجازي فقد كان رجلا مكافحا ،حيث كانت حياته مليئة بالمصاعب والتحديات،ومع ذلك لم ينثني أو يستسلم لها كما هو حال كثير من الناس،بل على العكس من ذلك فقد كان صاحب عزيمة وإرادة قوية ،مكنته بفضل الله من التغلب على كثير من تلك المصاعب والتحديات ،وليس ذلك فقط ؛فقد صبر واحتسب (رحمه الله) على المصائب التي توالت عليه منذ نعومة أظفاره بفقد والده ثم والدته، وتلا ذلك فقدان زوجته وتفرغه لوحده في رعاية أبنائه وبناته.إضافة إلى معيشة الفقر التي كابدها منذ أن أطل برأسه على هذه الحياة .لقد تجاوز سالم ذلك كله بقلب قوي وإرادة تفلق الصخر، فاشتد عوده وزاد اصراره وكفاحه،كما أن ذلك لم يمنعه من تعلم علم الفلك وفصول السنة ،كما حفظ الكثير من الأدب القبلي والشعبي بقصصه وأشعاره،وتعلم الأنساب حتى نبغ فيها وأصبح مرجعاً للذين يؤلفون الكتب والمراجع في أنساب القبائل وغيرهم،مع العلم بأن التعلم حينهالم يكن إلا بالمشافهة والتلقي بالسماع،فالكتب لم تكن موجودة مما يتطلب من المتعلم سرعة البديهة وقوة الحفظ وعدم تضييع فرص التعلم التي لا تتكرر.لقد أدرك كثيرون سعة علم سالم الجازي في علم الأنساب،ولكنهم أدركوا حاجتهم إليه عندما اخترمته المنية،فوجدوا أن تلك المعومات الغزيرة التي كانت تتدفق منه وهو يتحدث بتلقائية في المجالس، أو حين يجيب على سؤال قد ذهبت بلا رجعة،بل إن أبسط الأسئلة لا تجد من يجيب عليها ،بينما كانت هذه الأسئلة وما هو أكبر منها تجد لها جواباً عندما كانت تطرح عليه حيث يجيب عليها بكل جدارة واقتدار،ولذا يصدق عليه قول الشاعر:
سيفقدني قومي إذا جَدَّ جدهم @ وفي الليلة الظلماء يُفْتَقَدُ البدر
لقد كان سالم الجازي مثالاً حقيقياً على قوة الإرادة والإصرار والصبر والعزيمة ،فرحمه الله رحمة واسعة،وجمعنا وإياه في عليين.
[1] " مرشد التميمي رجل مشهور في منطقة حائل بالشجاعة وشدة البأس ومتانة وقوة البنية ، وهو من أهالي قرية جفيفا ( 15 كم جنوب غرب
بطحوين )،هاجر بسب القحط والفقر إلى سوريا وعمل فيها في جهاز الشرطة ،ثم انتقل إلى الأردن، وخدم في الجيش الأردني فترة طويلة تقارب
، ثم عاد بعد تقاعده إلى قريته جفيفا".منقول من أحد أشرطة الراوية المشهور فواز الغسلان،وذلك في ثنايا حديثه عن قصة مرشد التميمي والعجاجي.
[2] روى سالم بن جازي هذه الرواية في عدة مجالس ، وكذلك رواها في مجالس أخرى كل من مرشد التميمي ،و فواز بن محمد البريكي عن مرشد.