موقف الشيخ ضاري بن ظاهر المحمود شيخ قبيلة زوبع من الكولونيل الإنجليزي"لجمن" ودور قبيلة شمر في أحداث ثورة العشرين العراقية ضد المستعمر الإنجليزي .

جمع وإعداد: د. خالد بن صالح بن عبدالرحمن الدعيلج.

الحلقة الأولى:

أولاً:تعريف بالشيخ ضاري المحمود (رحمه الله).

اتفق النسابون على أن ضاري هو ضاري بن ظاهر بن محمود بن ظاهر بن حمام ،شيخ فرع الحيوات من قبيلة زوبع التي تسكن بين بغداد والفلوجة.ويعود نسبه إلى محمد الحارثي الزوبعي من قبيلة شمر .[1] [2]لقد كان والد ضاري يحبه حبا جما ، واستقدم له معلما من بغداد يعلمه القراءة والكتابة وكان لضاري أخ أصغر منه إسمه درع ،وقد أجمع إخوته الآخرون جميعهم على مشيخة ضاري عليهم وعلى زوبع جميعها ،مع أنه  في مقتبل عمره حيث ساد عشيرته وهو صغير بالسن .ولد ضاري عام 1284هـ/1868م .تزوجالشيخ ضاريً سبعاً من النساء فكان له منهن أبناؤه :خميس ، سليمان ، حميد ،حماد ، أحمد ، الحميدي ، عبدالكريم ، فرحان ، وكان مولعا بأخبار القدامى [3].  لقد إدعى جواسيس الانكليز في العراق في تقاريرهم السرية أن زوبع كانت قبل الحرب ضعيفة التسلح ، ولكنها إستعدت وتكامل سلاحها خلال الحرب ، وأدخلت هذ الأخبار الانكليز في خوف وفزع ،وتيقنوا أن هذه القبيلة لن تهدأ

معهم وأنها ستعكر صفوفهم وأمنهم [4].

ثانياً :موقف ضاري من الغزو الأجنبي.

عالج التقرير السري لدائرة الاستخبارات البريطانية الموقف العشائري في منطقة الدليم بعد احتلال بغداد فأشار إلى أصدقاء الانكليز من رؤساء بعض العشائر ، وسكت عن الشيخ ضاري بلا علة ويعتبر هذا السكوت في مصلحة ضاري وسمعته المعهودة لأنه عرف بمناوأته الصريحة لقوات الاحتلال[5] .وتدل التقارير التي كانت في حوزة (لجمن) وهو القائد البريطاني الذي قتله ضاري : على أن الشيخ ضاري كان معروفا بنزعته العدائية للانكليز في العهد العثماني ، وفي زمن الاحتلال وأنه لم يتقرب إلى الحكام السياسيين في يوم من الأيام ، ولم يتزلف إليهم ، وهذا يفيد إن الانكليز أنفسهم يعرفون أنه كان خصمهم العنيد ، فقد ركب ذات يوم حصانه ومعه أخوه شلال وابنه سليمان إلى جسر قراره في جنوب بغداد ، واجتمع بالقائد التركي نور الدين في خيمته الخاصة ليعدا خطة الهجوم على الانكليز ، وقد كلف شلال وسليمان بتموين المحاربين ، واشترك ضاري في معارك عديدة ضد الانكليز وأشرف على الأسرى من جنودهم بعد حصار الكوت ، وأسهم في معركة (اصطبلات) الطاحنة بين الأتراك والانكليز ولاذ بالرمادي حيث اتصل بالقائد التركي (أحمد بك أوراق) واتفقا على النزول بجانب الجزيرة وهناك تعاون مع الشيخ حردان على مناهضة جيوش الاحتلال[6] .وحين انطلق الانكليز إلى الرمادي ليستولوا عليها ،تعقبهم الزوبعيون ولكنهم وصلوا متأخرين،فقد سقطت الرمادي،فقذف ضاري بنفسه في النهر سابحا إلى الجانب الآخر حيث ركب فرسه وهرب على وجهه.واتصل الانكليز بعد ذلك بضاري وحردان للمفاوضة على الصلح ولم يؤد هذا الاتصال إلى نتيجة[7]

عندما تراجع زعماء الثورة من الحسينية في كربلاء إلى قلعة في منتصف الطريق بين كربلاء والمسيب،اجتمع مجلسهم الحربي وفيه أجمعوا على إيفاد  جدوع أبوز يد إلى منطقة الدليم لتحريض عشائر زوبع على الثورة،فرحل أبو زيد في الثلث الأخير من تموز علم 1920م حاملا كتابا معه من الشيرازي وفتواه وكتاب من الشهرستاني.وفي حمى زوبع اجتمع برئيسها الشيخ ضاري وتبادلا الحديث عن الثورة،وعلم أبو زيد أن ثورة ضاري تحصيل حاصل وأنه قاطع الإنكليز قبل أن تصله فتوى الشيرازي، وأنه عليم ببواطن الأمور، وأن الثوار يراسلونه وكان منهم عبدالواحد سكر، وقد أبت مروءة الرجل بعد أن اطلع على رسائل علماء الدين والشيرازي إلا أن يعلن:إني عربي،ووطني،وعراقي، وها أنا ذا أعاهد الله ـ وأنت ياجدوع شاهد ـ بأن أبذل النفس والنفيس في سبيل مصلحة بلادي ضد الطامعين ،وليقر العلماء وإخواني الزعماء عينا لأني باسم الله سأعمل، وسترون أعمالي، وإني لأرجو أن يرضى الله وأن ترضوا عنها إن شاء الله[8] [9].

الحلقة الثانية:

ثالثاً: الشيخ ضاري المحمود يقتل الكولونيل الإنجليزي"لجمن".

لقد كان الشيخ ضاري كما تحدث عنه ولده سليمان يد حمراء في الثورة العراقية الكبرى ، وكانت له مراسلات مع كربلاء والنجف وبغداد وفي أحد الأيام جمع (لجمن) رؤساء القبائل ، في الرمادي وكان بينهم الشيخ ضاري وأقم لهم مأدبة عامرة وبعد الانتهاء من الطعام فاتحهم في الموقف الراهن ، وقال : أنه يود الوقوف على رأيهم باعتبارهم عشائر من أهل السنة ، في ضد الثوار الشيعة الذين يطالبون السلطات الانكليزية بقيام حكومة مستقلة.واستغل الشيخ ضاري عندئذ الموقف فلم يفسح المجال لأحد من المجتمعين بالكلام ، وإنما نهض قائما ليقول : لا تذكر يا (لجمن) كلمة ((شيعة)) فليس في ديننا سنة ولا شيعة ، بل هناك دين واحد وعرق واحد وكلمة واحدة وإجماع على تشكيل حكومة وطنية ، فإذا لبيتم مطاليب الثورة فإن الاستقرار والأمن يسودان العراق. وإنني في موقفي هذا أخاطبك بلسان المجتمعين . وهنا سكت لجمن وقال : أنتم عشائر والأجدر بكم أن تكونوا مستقلين. وعندئذ غضب (لجمن) على الشيخ ضاري حتى كانت النهاية[10].[11]

 حز في نفس (لجمن) وهو سيد البادية حينذاك وكان يسمي نفسه(لجيمان) أن ينطلق ضاري على هواه في سلوكه ضد الانجليز ويناصبهم العداء ويقاوم تعسفهم وسطوتهم فأراد أن يكبح جماحه ويروضه على الطاعة ، فطلب الاجتماع به عدة مرات ولكن ضاري كان يرفض ذلك .وبعد إلحاح من لجمن وافق ضاري على مقابلة لجمن في خان النقطة وكان يسمى خان ضاري لانه هو الذي بناه ولكن الانجليز سموه خان النقطة[12].
جاء ضاري إلى الخان سنة 1920م وفي شهر آب منه ،و معه ولداه خميس وسليمان وابناء اخيه مجباس: صعب وصليبي وجماعة من اقربائه بينهم دحام الفرحان وبينهم وعشرون فارسا شجاعا من عشيرته حيث تقابل معه وطالبه (لجمن) بتسليم لفيف من المجرمين الذي ادعى انهم يسلبون رجاله وأنهم لايزالون على مقربة من مكانتهم ، وطلب إليه ضاري أن يتعاونا على قبضهم إن كان حقيقة ما يظن ووضع تحت تصرف (لجمن) خمسة من رجاله ، معهم ضاري ابن ضاري لإلقاء القبض على الجناة . وأن هذا الموقف قد افتعله (لجمن) لتستقيم مكيدة تبرر الإيقاع بزوبع ورئيسها.
ومما يؤكد ذلك أن (لجمن) طلب من الشيخ ضاري فوق ذلك أن يقوم بحراسة الطريق بين الرمادي وبغداد ، وأن ضاريا قد اعتذر وأنه لايتمكن من مقاومة العشائر التي أثرت فيهم ونازعتهم وحينئذ قال له لجمن : (إن موقفك هذا يعتبر خيانة) ، وبالإضافة إلى ذلك فقد اتهم الشيخ ضاري بالسرقة أيضا وألقى على عاتقه تبعة الاخلال بالامن ونسب إليه وإلى عشيرته زوبع حادثة السلب وذلك بكلمات جارحة ، وبعد هذا أيقن الشيخ ضاري أن (لجمن) سيفتك به لامحالة ، ولذلك ثارت حميته وغضب ، فاستأذن منه ليعود بعد قليل ومعه ولده خميس ورجل آخر من رجاله فرماه ضاري بطلقة نارية فسقط على إثرها قتيلا . وبعدها إستل سيفه وأجهز عليه
[13][14].

الحلقة الثالثة:

رابعاً:قبيلة زوبع تعلن الثورة على الانجليز:

يتبع قريباً إن شاء الله

 


 

[1] عبدالحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية: الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل ((لجمن)) في خان النقطة،لندن:دار الحكمة،2002م،ص45.

[2] عباس العزاوي:عشائر العراق،لندن:مكتبة الصفاوالمروى،ج1،ص189.

[3]عبدالحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية: الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل ((لجمن)) في خان النقطة،لندن:دار الحكمة،2002م،ص 48.

[4]عبدالحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية: الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل ((لجمن)) في خان النقطة،لندن:دار الحكمة،2002م،ص 45.

[5]عبدالحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية: الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل ((لجمن)) في خان النقطة،لندن:دار الحكمة،2002م،ص 49.

[6]عبدالحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية: الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل ((لجمن)) في خان النقطة،لندن:دار الحكمة،2002م،ص ص 49-50.

[7]عبدالحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية:  الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل ((لجمن)) في خان النقطة،لندن:دار الحكمة،2002م،ص ص 50 -51.

[8]عبدالحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية:  الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل ((لجمن)) في خان النقطة،لندن:دار الحكمة،2002م،ص ص 53.

[9] عبد عون الروضان:موسوعة عشائر العراق،ط2،بيروت:الأهلية للنشر والتوزيع،ج1،2008م،ص352.

[10]عبدالحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية:  الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل ((لجمن)) في خان النقطة،لندن:دار الحكمة،2002م،ص ص 69 -71.

[11] عبد عون الروضان:موسوعة عشائر العراق،ط2،بيروت:الأهلية للنشر والتوزيع،ج1،2008م،ص352.

[12]عبدالحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية: الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل ((لجمن)) في خان النقطة،لندن:دار الحكمة،2002م،ص ص 59.

[13]عبدالحميد العلوجي وعزيز جاسم الحجية:  الشيخ ضاري آل محمود رئيس قبيلة زوبع قاتل الكولونيل ((لجمن)) في خان النقطة،لندن:دار الحكمة،2002م،ص ص 59 -67.

[14] علي الوردي :لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، أبوظبيدار الوراق للنشر ج5،2007م،ص ص31-32.