جود وكرم في أيام ضيق وضنك
قصة يرويها من الأحساء الشيخ سعدون السويدي الشمري.
وقصيدة
|
اليوم انتم عندنا خير خـطار |
والضيف له واجبٍ أولٍ وتالٍ |
|
|
مكانكم بالعين من قبل هالدار |
مكانكم بالراس عالي وغالي |
|
جمع وإعداد:د.خالد بن صالح بن عبدالرحمن الدعيلج [1]
الحلقة الأولى:الشيخ سعدون بن عباس يذهب لمقابلة الإمام عبد العزيز بن سعود في الرياض فلا يجده فيها!!!.
بدأت الحرب العالمية الأولى في 9/9/ 1332هـ الموافق1/8/1914م،واستمرت حتى 7/2/1337 هـ الموافق 11/11/1918م. وفي هذه الأثناء انشغلت الدول الكبرى بالحرب وكذلك الدول التي تتبعها أو تحالفت معها ؛فقلَّت البضائع وارتفعت الأسعار وانتشر الغلاء في عموم العالم ،ومن الأقاليم التي تأثرتبالحرب الجزيرة العربية ،بيد أن الجزيرة العربية قبل ذلك الوقت كانت تعاني من اضطرابات وانقسامات سياسية ،وصراعات بين القبائل وكذلك بين أمراء البلدات والمناطق ؛فما كان من اشتعال الحرب إلا أن ضاعف المعاناة بين الناس ،وأصبحت حياتهم أشد قسوة ،وأصبح الذي يجد قوت يومه من السعداء المحضوضين.في هذه الظروف الصعبة خرج الشيخ سعدون بن عباس شيخ جماعته من السويد من سنجارة من قبيلة شمر،وقد كانت ديارهم غرب حائل. سافر الشيخ سعدون في جماعة من قومه يريدون التوجه إلى الرياض للسلام على الإمام عبدالعزيز بن سعود وكان ذلك في الفترة ما بين 1333 هـ /1337هـ .وكان الإمام عبدالعزيز يكرم وفود القبائل التي تأتيه ،ويعتمد لهم مخصصات مالية وعينية،وخصوصا في فترة الحرب التي عانى منها الأغنياء والفقراء. وصل وفد السويد إلى الرياض وعلى رأسهم الشيخ سعدون بن عباس ، وعندما توجهوا إلى قصر الحكم بلغهم أن الإمام موجود في الأحساء وأنه سيبقى هناك لبعض الوقت.تشاور الشيخ مع بقية الوفد ولم يكن أمامهم إلا ثلاث خيارات،إما أن يبقوا في الرياض حتى يعود الإمام ، على الرغم من عدم وجود تاريخ محدد لعودته، وإما أن يعودوا إلى ديارهم ،أو أن يتوجهوا إلى الأحساء،وقد استقر رأيهم على الخيار الأخير.قطع الوفد المسافة الكبيرة بين الرياض والأحساء ووصلها في وقت متأخر من النهار،وهو وقت غير مناسب لمقابلة الإمام عبدالعزيز، فقرروا تأجيل السلام عليه إلى الغد، ثم أناخوا رواحلهم بالقرب من حائط إحدى المزارع وبدؤوا في إصلاح شأنهم،فأوقدوا نيرانهم وشرعوا في إعداد طعامهم وقهوتهم. وعند مغيب الشمس خرج صاحب المزرعة من مزرعته وهو رجل طويل القامة ،قوي البنية قد ناهز الستين ،وكان يسوق مجموعة من الأبقار فتوقف عندهم وسلم عليهم ورحب بهم، وسألهم عن أحوالهم وقال : يبدوا أنكم لستم من أهل هذه الديار،فأجابوه بأنهم كذلك وأنهم من مكان بعيد.فقال لهم: أنتم ضيوف الرحمن، وأن هذا المكان لا يليق بمثلكم فتفضلوا لدي والدار ليست بعيدة من هنا.شكر الشيخ سعدون بن عباس صاحب المزرعة واعتذر عن الذهاب معه وقال له :إنا قد أوقدنا النار ووضعنا القدور عليها،ولدينا ما يكفينا من الطعام ولله الحمد، وأننا لم نأت الأحساء إلا للسلام على الإمام وسنرحل بعد ذلك مباشرة،ثم اعتذر مرة أخرى ودعا له بخير.ألح صاحب المزرعة على استضافتهم وقال : لا يمكن أن أترككم في هذا المكان مهما كلف الأمر.لقد كانت عبارات الرجل قوية ويظهر عليه الحزم والإصرار، إلا أن الشيخ سعدون بن عباس أصر على رأيه في المقابل،فما كان من صاحب المزرعة إلا أن قلب القدور وصب ماءها على النيران حتى أطفأها!!!!!.
الحلقة الثانية:الشيخ عباس بن سعدون يتعامل مع الموقف المفاجئ!!!!
لقد كان الموقف مفاجئاً للشيخ سعدون ومن معه؛ إلا أن الرجل لم يترك لهم فرصة للتفكير حيث بادرهم بقوله : أما الآن فلم يبق لكم عذر تعتذرون به ،فتفضلوا يا ضيوف الرحمن وأشار إلى ساحة قريبة من داره لينيخوا فيها رواحلهم وأشار إلى بيته وقال لهم :سأسبقكم إلى الدار وأنا في انتظاركم.
استضاف صاحب المزرعة الوفد في منزله،وأعد لهم طعام العشاء، وذبح لهم رأساً من الضأن ،وبعد أن أمضوا جزءا من تلك الليلة في السمر والمؤانسة،أعد لهم مكانا للنوم ،حيث باتوا تلك الليلة لديه،وفي الصباح تناولوا طعام الإفطار وناشدهم أن يبقوا عنده حتى تنتهي حاجتهم في الأحساء وألح عليهم في ذلك، إلا أنهم اعتذروا وقال الشيخ سعدون بن عباس :نحن على عجل من أمرنا وسنسافر إلى ديارنا بمجرد الانتهاء من السلام على الملك ،فقد طالت مدة السفر وديارنا بعيدة جدا.طلب الشيخ سعدون بن عباس من بقية الوفد أن يسبقوه إلى الرواحل،وتأخر هو لينفرد بصاحب الدار وسأله بعدها فقال له :لقد أكرمتنا غاية الإكرام ،والناس يعيشون سنوات قحط وجدب وفقر شديد، وأنت قد ذبحت لنا وأكرمتنا وقيمة ما فعلت أكبر عندنا من الشرهة التي ستصرف لنا ،فبالله عليك هلا أخبرتني من أنت. قال الرجل :هذا واجبكم فأنتم ضيوف الرحمن وأنا لم أقم بحقكم كما ينبغي.أصر الشيخ سعدون بن عباس على معرفة اسم الرجل،إلا أن صاحب الدار أصر في المقابل على موقفه ورفض ذلك بشدة فهو لم يفعل ذلك رياء ولا سمعة،فقال له الشيخ سعدون بن عباس : إذاً أخبرني من أي الديار أنت فكأني بك لست من هذا البلد،فما أكرمتنا به ليس مما اعتاد عليه الحضر وفي مثل هذه السنين الممحلة،فرد الرجل بأنه من أهل الأحساء وأن ما قام به أمر طبيعي و لو رآهم أي رجل آخر من أهل البلد فسيقوم بأحسن مما قام به فهم أهل طيبة وكرم.ألح الشيخ سعدون بن عباس على السؤال وقال بأنه لن يغادر الدار ولن يذهب إلى أي مكان آخر حتى يخبره من أي البلدان هو!. وبسبب ضغط الشيخ سعدون بن عباس وقع الرجل في حرج شديد مع ضيفه ، وفي نفس الوقت فهو لا يريد أن يفوت عليهم لقاء الملك ،فاستجاب صاحب الدار في نهاية المطاف ، حيث قال:لقد صدق ظنك فنحن لسنا من أهل هذا البلد ـ مع فضل أهلها وطيبهم وكرمهم وحبي لهم ـ فقد جاء جدي إلى هنا في حدود عام 1230هـ،وما لبث أن توفي ووالدي صغير في السن، فعاش والدي مع جدتي حيث نشأ وترعرع في الأحساء،ثم تزوج وأنجب ولدين وثلاث بنات ،وقد توفي والدي ـ رحمه الله ـ قبل فترة ليست بالقليلة.فقال له الشيخ سعدون بن عباس :ومن أي العرب أنتم ؟ فقال الرجل: نحن من بريك السويد وهذا وسمنا ، حيث رسمه وثبته والدي على حائط المجلس حتى لا ننساه ، وهو عبارة عن حلقة ومطرق.نظر الشيخ سعدون بن عباس إلى الوسم وهو لا يكاد يصدق ما تراه عيناه أو تسمعه أذناه فهذا وسم البريك من الخرصة من شمر ،وهو خاص بالدعالجة منهم، وبريك السويد هم البقية الباقية من البريك المستقرين في غرب حائل ،حيث لم يهاجروا إلى الجزيرة الفراتية كما فعل غالب البريك، وسُموا بذلك لأنهم أقرب الناس إلى السويد ،وأصبحوا هم والسويد أقرب ما يكونون إلى العشيرة الواحدة.
فرح الشيخ سعدون بن عباس فرحا شديداً وعرَّف بنفسه وقال له :أنا ابن عمك سعدون بن عباس من السويد من شمر وأنت من أقرب الناس لنا ،فمن أنت وما اسمك فقال له: أنا محمد بن عبدالله بن دعيلج وأحمد الله الذي جمعني بكم ،
قال له الشيخ سعدون:إن قصة جدك مقبل بن الزبير بن دعيلج البريكي وهجرته من ديار البريك معروفة لدى عموم البريك والسويد والحسينة ، لكننا لم نكن نتوقع رؤية حفيده (محمد بن عبدالله بن مقبل بن دعيلج) بعد مئة عام من هجرته .فقال محمد بن دعيلج للشيخ سعدون: أرجو أن تستجيب لي وتبقى لدي مع بقية أبناء العمومة فحقكم الآن أكثر من ذي قبل فأنتم أهلي و لا أرضى أن تذهبوا بهذه السرعة، فأنا في شوق إلى رؤية بقية أهلي وعشيرتي الذين لم أرهم من قبل ،و كذلك لم يرهم والدي رحمه الله تعالى ـ .اعتذر الشيخ سعدون بن عباس بشدة لأنهم قد تأخروا كثيرا على أهلهم ووعد بأنه سينقل أخباره إلى بقية أبناء العمومة من البريك والسويد.سلم محمد بن دعيلج على بقية أبناء عمومته الآخرين الذين فرحوا حين سمعوا بالخبر وكانوا بين مصدقين ومكذبين ،حيث أنهم كانوا في ضيافة ابن عمهم وهم لا يعرفونه وهو لا يعرفهم ، لقد كانت لحظات مؤثرة جداً حيث تخللتها مشاعر الفرح والسعادة والحزن فقد تم هذا اللقاء بقدر من الله عز وجل وبدون سابق تدبير من البشر، و في الوقت نفسه فهم مضطرون إلى فراقه ولا يعلمون هل سيقدر لهم رؤيته مرة أخرى أم لا .لقد كانت لحظات الوداع مؤثرة جداً،حيث سلم محمد بن دعيلج بحرارة على الشيخ سعدون ورفاقه،كما بادلوه نفس المشاعر الصادقة،و ودعوه وكلهم أمل في أن ييسر الله عز وجل لهم العودة مرة أخرى لزيارته ورؤيته.
الحلقة الثالثة: تكرار لقاء سعدون بن عباس ومحمد بن دعيلج من خلال...........
قريبا إن شاء الله
[1] روى الشيخ عباس بن سعدون (رحمه الله )هذه القصة لأبنائه ومنهم الشيخ مضفي بن سعدون،ودخيل بن سعدون،كما رواها لكثيرين في قرى بطحوين والمختلف والصنينا في غرب حائل وممن سمع منه مباشرة الشيخ سهو بن عقيل بن الزبير شيخ البريك في وقته ، وسالم الجازي الزبير (رحمهم الله )، ومطير بن عقيل الزبير،وسليمان السراي الزبير،ومقبل بن رباح الزبير.كما رواها آخرون من الأحساء من أبناء وأحفاد المضيف(المعزب) ومنهم عبدالله بن محمد بن عبدالله،وصالح بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله،وابن أخيه عبدالله بن إبراهيم بن عبدالله (رحمهم الله جميعاً).وقد جمع الكاتب الروايات مباشرة عن هؤلاء (ما عدا الشيخ سعدون والشيخ سهوبن عقيل ، وسالم الجازي ،فلم يتمكن من الإلتقاء بهم رحمهم الله ،وقد نقل عن معاصريهم).ثم قام بالتنسيق بينها والعمل على ترتيب أحداثها حتى خرجت بالصياغة الحالية.