قصيدة الشريف بركات بن محمد بن مالك الحارثي في نصيحة ابنه مالك

بقلم الشريف مشهور بن مساعد آل زيد

 الشاعر الشريف بركات بن محمد بن مالك بن أبي طالب بن الحسن بن احمد بن محمد الحارث بن الحسن بن محمد أبو نمي الثاني.
من قبيلة الأشراف الحرث، من فرع يسمى ذوي مالك، ولقد درج عقبه بعد وفاة ابنه مالك الذي لم يعقب احداً من الذكور واعقب ابنة واحدة اسمها موضي.
عاش الشاعر الشريف بركات خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري والنصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري ( 1150هـ - 1250هـ
عاصر مجموعة من أمراء مكة المكرمة الأشراف منهم الشريف سرور بن مساعد بن سعيد بن سعد بن محسن بن حسين بن الحسن بن محمد أبو نمي الثاني، الذي تولى إمارة مكة المكرمة سنة 1186هـ واستمر حتى وفاته سنة 1202هـ.
عاصر الشريف بركات أحداث الخلاف الذي نشأ بين أمير مكة المكرمة الشريف سرور بن مساعد والشريف عبد الله بن احمد الفعر بن زين العابدين بن عبد الله بن الحسن بن محمد أبو نمي الثاني. والتي استمرت من سنة 1187هـ وحتى تمكن الشريف سرور من القضاء على فتنته ومن ثم سجنه في ينبع حتى مات وقيل قتل خنقاً سنة 1189هـ. ويؤكد صحة هذا القول أن بعض أبيات قصيدة الشريف بركات حملت تحذيراً لابنه الشريف مالك من امير مكة المكرمة الشريف سرور بن مساعد ، كما دعاه إلى الاعتبار مما جرى للشريف عبد الله الفعر نتيجة خروجه على أمير مكة المكرمة الشريف سرور بن مساعد حيث قال قصيدته المشهورة ناصحاً ابنه مالك:

 

 

يامرقب بالصبح نطيت راقيك

ما واحد قبلى خبرته تعــلاك

 

وليت ياذا الدهر ما أكثر بلاويك

الله يزودنــا السلامه من اتلاك

 

يللى على العربان عمت شكاويك

وليت يا دهر الشقا ول مقواك

 

ولا يوم ها الكانون غاد شبـابيك

تلعب به الأرياح من كل شبـاك

 

يا مالك اسمع جابتى يوم أوصيك

واعرف ترى يابوك بآمرك وانهاك

 

        وصية من والد طـــامع فيك

تسبق على الساقه لسانه لعلياك

 

أوصيك بالتقوى عسى الله يهديك

لهـــا وتدركها بتوفيق مولاك

 

احفظ دبشك اللى عن الناس مغنيك

اللى إليا بأن الخلل فيك يرفـاك

 

واعرف ترى مكه ولاها بناخيـك

لو تشحذه خمسة ملاليم معطاك

 

اجعل دروب المرجلة من معانيك

واحذر تميل عن درجها بمرقاك

 

لاتنسدح عنها وتبغينى أعطيك

جميع ما يكفيك ما حاصل ذاك

 

أدب ولدك إن كان تبغيه يشفيك

واستسعفه من بعد مرباه بالاك

 

أما سمج واستسمجك عند شانيك

ويفر من فعله صديقك وشرواك

 

وإلا بعد جهله ترى هو بياذيــك

لو زعلت أمه لا تخليه يــالاك

 

واحذر تضيع كل من هو ذخر فيك

معروفه لاتنساه وأوفه عـرفاك

 

ترى الصنايع بين الأجواد تشريك

اليا طمعت بغرسهــا لا تعداك

 

واحذر سرور بغبة البحر يرميك

ولا عنده أفلس من تشكيك وأبكاك

 

واوف الرجال احقوقها قبل تاتيك

لا توفيه بالقول فالحق يقفــاك

 

وهرج النميمة والقفا لا يجى فيك

وإياك عرض الغافل إياى وإياك

 

تبدى حديث للمــلا فيه تشكيك

وتهيم عند الناس بالكذب واشراك

 

واليا نويت احذر تعلم بطــاريك

كم واحد تبغى به العرف وأغواك

 

واحذر شماتت صاحب لك مصافيك

واليا جرى لك جارى قال لـولاك

 

ولا تحسبن الله قطـــوع يخليك

ولاتفرح أن الله على الخلق بداك

 

الضيف قدم له من حين يلفيــك

مما تطوله يا فتى الجود يمنــاك

 

أكرم اقباله فإنها من شواديـــك

وابذل له المجهود مــادام يعناك

 

احذر تلقى الضيف مرقن علابيك

خله محب لك صديق إذا جــاك

 

وأوصيك زلات الصديق إن عثا فيك

مازال يغطاهـا الشعر فاحتمل ذاك

 

راعه ولو ما شفت انه يراعيــك

عساك تكسر نيته عن معـــاداك

 

واحذر عدوك لو ظهر بى يصافيك

خلك نبيه وراقبه وين ما جـــاك

 

لاتأمنه واطلب من الله ينجيــك

ويكفيك ربك شــر ذولا وذولاك

 

شفنى أنا يــا أبوك بآمرك وانهيك

عن التعرض بين الاثنين حــذراك

 

إذا حضرت أطلابه مع شرابيك

اسع لهم بالصلح واللاش يفداك

 

ابذل لهم بالـطيب ربك ينجيك

ولاتجضع الميزان مع ذا ولاذاك

 

أما الشهادة فأدها إن دعوا فيـك

بين عمود الدين لاعميت أريـاك

 

بالك تماشى واحد لك يرديــك

طالع بنى جنسك وفكر بممشاك

 

رابع أصيل فى زمانك يشـاكيك

لا شاف خملاتك عن الناس غطاك

 

وأحذرك عن طرد المقفى حذاريك

عليك بالمقبــل وترك إللى تعداك

 

ثم العن الشيطان لياَّه يغويـــك

ترى إن تبعته للشرابيــك وداك

 

ووصيك لاتشكى علينا بلاويــك

أنت السبب طرفك عيونك بيمناك

 

واعرف ترى إلى واطي الفعر واطيك

ولا أنت أعز من الجماعة هذولاك

 

المسك يا راسى عن الذل واخطيك

واحذر تكلم يا لســـانى حذراك

 

والطف بجارك وقم من دون عانيك

وافطن لما يعنيك عن ربعة أحواك

 

يا ذيب وإن جتك الغنم فى مفاليك

فاكمن الين إن الرعـــايا تعداك

 

من أول يا ذيب تفرس بيــاديك

واليوم جـا ذيب عن الفرس عداك

 

يا ذيب عـاهدنى وأعاهدك مرميك

مرميك أنا يا ذيب لو زان مرماك

 

والنفس خالف رأيها قبل ترميـك

ترى لها الشيطان يرمى بالإهلاك

 

ومن بعد ذا لا تصحب النذل يعديك

وعن صبحة الأنذال حاشاك حاشاك

 

ترى العشير النذل يخلف طواريك

وأنا أرجى أنك ما تجى دون أباك

 

والهفوة إنك ما تجى دون أهاليك

ولاظن عود الورد يثمر بتبنـاك

 

والحر مثلك يستحي يصحب الديك

وأن صاحبه عاعا معاعات الأدياك

 

لا تستمع قول الطرف يوم يلفيك

بالكذب يقضى حاجته كل ما جاك

 

من نم لك نم بـك ولا فيه تشكيك

وأيلاه قد أزرا رفيقــك وأزراك

 

عندك حكا فينا وعندي حكى فيك

وأصبحت كارهنا وحنا كرهناك

 

ما اخطاك ما صابك ولو كان راميك

وإلي يصيبك لو تتقيت ما أخطاك

 

مير استمع منى عسى الله يهديك

النصح يـا مالك لك الله لمولاك

 

عندي مظنة مـا تمثلها فيك

واطلب لك التوفيق من عند مولاك

انتهى المنقول عن الشريف مشهور بن مساعد.

****************************************************

 

رحم الله الشريف بركات فقد كان رجلاً حكيما مجرباً، حيث قدم خلاصة خبرته وتجربته في الحياة في قالب أدبي راق وغلفه بمشاعر الأبوة الحانية حتى يضمن تقبل ابنه لها واستفادته منها ،فليس المقصود سرد النصائح ،وإنما المراد أن تجد لها أذناً صاغية وقلباً واعيا وعزيمة أكيدة على الانتفاع بها.

ولا شك أن الشباب في حاجة إلى مثل هذه التوجيهات الرائعة ،فإنه من الواجب على الآباء والمربين مراعاة حاجة أبنائهم إلى مثل هذه النصائح، كما أنه من المهم مراعاة أسلوب النصيحة ووقتها والظروف المحيطة بها.وخير مثال لنا على ذلك ما ذكره القرآن الكريم في قصة لقمان وهو يعظ ابنه تلك الموعظة الرقيقة المؤثرة والجامعة لسعادة الدارين ،وقد تمثل الشاعر أسلوب لقمان بصورة كبيرة وهو يوجه نصائحه لابنه مالك. وهكذا يكون الآباء والمربون في تلمس احتياجات الناشئة وتوجيههم بأساليب تتجلى فيها المحبة والعاطفة والرحمة لتتسلل إلى قلوبهم وعقولهم بسهولة ويسر وبدون أن تثير فيهم نزعات الرفض والاعتراض،بل على العكس من ذلك يتقبلونها بصدر رحب وفرح شديد لأنها رسالة من القلب إلى القلب .و هنا تتجلى أهمية الوعي بأهمية التربية و إتقان أساليبها وطرقها لنحافظ على أجيالنا الصاعدة ونحميهم من مواطن الخلل والزلل والشطط بإذن الله تعالى.

(إدارة الموقع).